الأحد، 16 يناير 2011

تكست -العدد التاسع : أُغنية مردوخ للشاعر زاهر الجيزانيــــي


أُغنية مردوخ

زاهر الجيزاني

كلما هطلت أمطار كثيرة قال سأغرق-

رأى صورة قدميه على الطين

تعلم أن يرسم أجنحة الطيور

-يرسم الطحالب -يرسم النجوم ورؤوس الحيوانات

لكن أحفاده حولوا خطوطه إلى وصايا

سموه{ مردي الكاع} وسموا الضباب

الذي حكى عن اختفائه بعد طلوع الشمس

سديما وقالوا هم قالوا-

ارتفع السديم وانفصل

إلى فلقتين واحدة أسمها السماء والأخرى { الأرض }

ولم يعرف أحفاده أن

اسم السماء {عنان}-أو أنان-

واسم الأرض {كاع}أو كأ اوكي

في معجم الكهنة يتقطع اسم مردوك

الى مردو-كاع

هو ضوء السماء والأرض

-لكن أحفاده هم الذين سموه-

وسموا الطيور البيض التي تصطاد السمك

في أوحال أريدو ملائكة والغراب الأسود والقطة السوداء

جنيين-

وما هو بمنجم

وما هو بإلاه-

هو إنسان في ملجأ أبقار

يارب الطين والضفدعة

يارب الصحراء والمطر

أحفاده سموه إلاها-

وهو الخائف من الغرق

الهارب من الغيمة السوداء

ومن مناقير الطير كيف يدرأ

الرياح الباردة

وينام بين أكوام القش

وحين صعدت المياه العالية

مياه دجلة والفرات

وغطت التلال والأسوار

صنع طاقية من القصب

وتعلق بها بكلتا يديه

وعندما رمته الأمواج على اليابسة

-قال شكرا-

ورفع رأسه

الى السماء وقال يارب

لايدري إن كان ربه في السماء

أم في الأرض-

وقاده خوفه أن يحتمي بصريفة أبقار

نام تحت الشجر وخلف أبواب القصب

لغته رخوة

لم تكتمل بعد

وبسبب نقصانها وإيقاعها القصير

وغموضها

سحرت أحفاده

قلّد الأصوات

من سقوط المياه إلى دمدمة الرعد –

أحفاده خدعوا بعضهم بعضا

سموا لغته ناموسا-وناسوتا-

وتخيلوا له تاجا وكرسيا

وهو رجل وحيد يقطع ظهيرته

نائما على أرض الملجأ يتنفس رائحة الروث

لم تكن لديه سفينة كانت حزمة من الشاش

فوق المياه العالية

ثم بنى بيتا وجمع طعامه في سلال وخزّن ماءه في جرار

عرف النار والطهي وركوب الخيل وحلب البقر

وشق الترع ورمي البذور-لم يعطه الرب كتابا

ولا شريعة

لكن لم يتركه وحيدا

أعطاه العقل -معلمه ومؤنسه

وأباه وخادمه به كتب كتابا

ووضع ناموسا وشاهد ثم عرف

لكن أحفاده أمنوا

قبل أن يعرفوا

بما تخيلوا لا بما شاهدوا

أحفاده لم يجربوا الإصغاء-إلى صوتهم في الصدور

لكنهم أدمنوا الإصغاء إلى صوت -المكرفون

أحفاده لم يؤمنوا بالعقل -آمنوا بالجن-

آمنوا بالمعجزة ولم يؤمنوا بالنظام

عبدوا الظاهرة ومديحهم للحجر لا ينقطع

لو كان يعرف أن أحفاده يفعلون ذلك لحذرهم

لقال لهم -الجّن اختراع الخائف-ومعمل الحياة

يشتغل في الجسد الحي وصانع الحياة فينا

لو كان يعرف

يارب الشمس التي تأكلها النيران ولاتحترق

يارب النهار الواقف على قدمي الصحو والعمل

يارب الليل النائم على وسادة التعب

أنا الهمجي المتعصب واقف في زقاق الروح

وبيدي قنبلة-خذ بيدي يارب خذ بيد الهمجي-

امسح الدم من أسنانه وانزع التعصب من قلبه

وخذالقنبلة من يده وطهره من الخرافة والتأويل

انقذه- من قصص الأولين اجعله يحب هذه الأرض

بمدنها وأنهارها بنسائهاوأولادها وأموالها-يحب فردوسها وجحيمها

كانت لغته

تتعثر بغموضها

علمه يفك الغازها-

كانت أفكاره طحلبة تطردها الأمواج الى الشاطي

علمه أن ينغرز في الرمل

كان ظله شاطئا تسحبه الأمواج الى ظلامها

علمه ان يلّوح به للسفن الضالة

-العقل نظام ام ذات ؟

لو كان ذاتا لكانت عينه ترسل سمادها

لجذور الأرض المنهكة-لكن هذا العفن الذي يهتكنا

-لكن هذا الدم

الذي يبقبق في أفواهنا

لكن هذه الصرخات التي تتجول في فراغ الغرفة

لكن هذه الحسرة المتدلية على

أعناقنا كدمامل حمر

لكن عظم اليد الذي كسرته الأصفاد

لا تشجع افتراضاتنا أنك محصّن

التسلل إليك مستمر

الجّن والملائكة يتناوبان على ركوبك

لو لم تكن نظاما-

لو لم تكن طاقة مبرمجة-

تتبدل إتجاهاتها وتخيفنا

ينتقل الإنسان من أنا إلى أنا

عندما ينتقل من فكرة إلى فكرة

الأشياء خارجنا أكثر اتزانا ونحن الريح

التي تسبق الصوت والضوء -الريح التي لا رأس لها-

وتسأل من أنا? الريح أو الروح -الياء والواو يتناوبان

الأدوار في لعبة الخديعة لا المرويات

ولا حتى الآثار

الكلمات وحدها وثائق

يارب أنا الغريب الأكثر غربة-

أنا الهمجي

الواقف في زقاق الروح امسح الدماء عن أسناني خذ القنبلة -

من يدي أنا مردوخ أومردوك أومردي--الكاع

أو عمود الأرض-أحفادي خدعوني

أسألك بالنجمة المتحركة في بطون الكتب يعرفها المشاؤون

أسألك بالنار التي تنتظر الهواء لتتكاثر به

أسألك بمكائد سمك القرش

يلاعب الموجة ويتعبها

أسألك بالمصباح الكهربائي الخائف

من قاطع الطريق

أسألك بقاطع الطريق

الخائف من المصباح الكهربائي

ببهجة الطريق حين يدخله المارة

بيد المرأة التي تطعم بحرارتها قضيب راهب

-التي ناولتني ببسي كولا-وعيناها ترفعان الجبل

-بالباص الأحمر ذي الطابقين يمد لسانه من المرآة

يلاعب لسان الجالسة أمامه أسألك بسينما روكسي

بالبوستر الكبير لمارين مونرو بالمراثي العالية

-بقطة النار- بالسنة الكبيسة-بعكازة رامبو-بالعالم كله شتاء-

يالرأس المقطوع الذي تحمله أمواج نهر طبريا

بحروف المصحح-بالأوبئة-

بالوليمة-بقصيدة بلا بطل-

بسراح القتيل-بمرثية العمر الجميل-بالمسيح بعد الصلب

يمفرد بصيغة الجمع

-بمحنة ابي العلاء-بصلاح عبد الصبور-بالمسافر الى أين

بالأوزان وسقوط الأوزان بهذا اليتم المبكر لأجيال النور والتنوع

بالانتحار المؤسف لعرب الجان والصرع –

أسألك بالبنت التي قطعت الشارع الى محل-كوداك-

وبيدها رسالة-بالرسالة المربوطة بحجر الملقاة وراء سياج-

بالسكران بقلب السكران المملوء بالجسارة والرحمة

بعين السكران التي تبصر الخطط الشنيعة في عيون الناس

بيد السكران المرتجفة

الباحثة عن اتزانها-

من يحمينا من اعلانات الخير

هذا مردوك البابلي

المخزون في ثلاجة الموتى

-المقطّع في الشوارع

الغارق في قاع الفرات

الفار من مكان الى مكان لايعرف المسافة

بين الفكرة وذاتها

بين المعنى ولفظه

بين الإشارة ومحمولها

بين البطل والنبي---يارب

*شاعر عراقي

للعـــــودة للصفحة الرئيسة – العــدد التاسع